منتدى عالم المبارزة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الحكمة من خلق الشيطان

2 مشترك

اذهب الى الأسفل

الحكمة من خلق الشيطان Empty الحكمة من خلق الشيطان

مُساهمة من طرف mostax fodo السبت أبريل 16, 2011 6:34 pm


الحكمة من خلق الشيطان







الشيطان منبع الشرور والآثام
، فهو القائد إلى الهلاك الدنيوي والأخروي ، ورافع الراية في كل وقت ومكان
، يدعو الناس إلى الكفران ، ومعصية الرحمن ، فهل في خلقه من حكمة ؟ وما هذه
الحكمة ؟


أجاب عن هذا السؤال ابن
القيم رحمه الله تعالى فقال (1) : " في خلق
إبليس وجنوده من الحكم ما لا يحيط بتفصيله إلا الله " .


فمن ذلك :


1-
ما يترتب على مجاهدة الشيطان وأعوانه من إكمال مراتب العبودية :



فمنها أن يكمل لأنبيائه
وأوليائه مراتب العبودية بمجاهدة عدو الله وحزبه ، ومخالفته ومراغمته في
الله ، وإغاظته وإغاظة أوليائه ، والاستعاذة به منه ، واللجوء إليه أن
يعيذهم من شرّه وكيده ، فيترتب على ذلك من المصالح الدنيوية والأخروية ما
لم يحصل بدونه ... والموقوف على الشيء لا يحصل بدونه .


2-
خوف العباد من الذنوب :



ومنها خوف الملائكة
والمؤمنين من ذنبهم بعدما شاهدوا من حال إبليس ما شاهدوه ، وسقوطه من
المرتبة الملكية إلى المنزلة الإبليسية يكون أقوى وأتم ، ولا ريب أن
الملائكة لما شاهدوا ذلك ، حصلت لهم عبودية أخرى للرب تعالى ، وخضوع آخر ،
وخوف آخر ، كما هو المشاهد من حال عبيد الملك إذا رأوه قد أهان أحدهم
الإهانة التي بلغت منه كل مبلغ ، وهم يشاهدونه ، فلا ريب أن خوفهم وحذرهم
يكون أشد .


3-
جعله الله عبرة لمن اعتبر :



ومنها أن الله جعله عبرة لمن
خالف أمره ، وتكبر عن طاعته ، وأصرّ على معصيته ، كما جعل ذنب أبي البشر
عبرة لمن ارتكب نهيه ، أو عصى أمره ، ثم تاب وندم ورجع إلى ربه ، فابتلى
أبوي الجن والإنس بالذنب ، وجعل هذا الأب عبرة لمن أصرّ وأقام على ذنبه ،
وهذا الأب عبرة إن تاب ورجع إلى ربه ، فلله كم في ضمن ذلك من الحكم الباهرة
، والآيات الظاهرة .


4-
جعله فتنة واختباراً لعباده :



ومنها أنّه محك امتحن الله
به خلقه ، ليتبين به خبيثهم من طيبهم ، فإنه – سبحانه – خلق النوع الإنساني
من الأرض ، وفيها السهل والحزن ، والطيب والخبيث ، فلا بد أن يظهر ما كان
في مادتهم ، ففي الحديث عن أبي موسى قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول : ( إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جمع
الأرض ، فجاء بنو آدم على قدر الأرض ، منهم الأحمر والأبيض والأسود ،
والسهل والحـزن ، والطيب والخبيث
) .رواه أحمد والترمذي وأبو داود
(2) .


فما كان في المادة الأصلية
فهو كائن في المخلوق منها ، فاقتضت الحكمة الإلهية إخراجه وظهوره ، فلا بدّ
إذاً من سبب يظهر ذلك ، وكان إبليس محكّاً يميز به الطيب من الخبيث ، كما
جعل أنبياءه ورسله محكّاً لذلك التمييز ، قال تعالى : (
مَّا كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتَّى
يميز الخبيث من الطَّيب
) [ آل عمران : 179 ] ، فأرسل رسله إلى
المكلفين ، وفيهم الطيب والخبيث ، فانضاف الطيب إلى الطيب ، والخبيث إلى
الخبيث .


واقتضت حكمته البالغة أن
خلطهم في دار الامتحان ، فإذا صاروا إلى دار القرار يميز بينهم ، وجعل
لهؤلاء داراً على حدة ، ولهؤلاء داراً على حدة ، حكمة بالغة ، وقدرة باهرة
.


5-
إظهاره كمال قدرته سبحانه بخلق الأضداد :



ومن هذه الحكم أن يظهر كمال
قدرته بخلق الأضداد ، مثل جبريل والملائكة وإبليس والشياطين ، وذلك من أعظم
آيات قدرته ومشيئته وسلطانه ؛ فإنه خالق الأضداد كالسماء والأرض ، والضياء
والظلام ، والجنة والنار ، والماء والنار ، والحر والبرد ، والطيب والخبيث
.


6-
الضد يظهر حسنه الضد :



ومن هذه الحكم أنَّ خلق أحد
الضدين من كمال حسن ضده ، فإنَّ الضد إنما يظهر حسنه بضده ، فلولا القبيح
لم تعرف فضيلة الجميل ، ولولا الفقر لم يعرف قدر الغنى .


7-
الابتلاء به إلى تحقيق الشكر :



ومن هذه الحكم أنه سبحانه ،
يحبّ أن يشكر بحقيقة الشكر وأنواعه ، ولا ريب أن أولياءَه نالوا بوجود عدو
الله إبليس وجنوده ، وامتحانهم به من أنواع شكره ، ما لم يكن ليحصل لهم
بدونه ، فكم بين شكر آدم وهو في الجنة ، قبل أن يخرج منها ، وبين شكره بعد
أن ابتلي بعدوه ، ثم اجتباه ربه ، وتاب عليه وقبله .


8-
في خلق إبليس قيام سوق العبودية :



ومنها أن المحبة والإنابة
والتوكل والصبر والرضا ونحوها أحب العبودية إلى الله سبحانه ، وهذه
العبودية إنما تتحقق بالجهاد وبذل النفس لله، وتقديم محبته على كل ما سواه
فالجهاد ذروة سنام العبودية ، وأحبها إلى الرب سبحانه ، فكان في خلق إبليس
وحزبه قيام سوق هذه العبودية وتوابعها التي لا يحصي حكمها وفوائدها ، وما
فيها من المصالح إلا الله .


9-
وترتب على ذلك ظهور آياته وعجائب قدرته :



ومن هذه الحكم أن في خلق من
يضاد رسله ويكذبهم ويعاديهم ، من تمام ظهور آياته ، وعجائب قدرته ، ولطائف
صنعه ما وجوده أحب إليه وأنفع لأوليائه من عدمه ، كظهور آية الطوفان ،
والعصا ، واليد ، وفلق البحر ، وإلقاء الخليل في النار ، وأضعاف ذلك من
آياته ، وبراهين قدرته ، وعلمه ، وحكمته ، فلم يكن بُدّ من وجود الأسباب
التي يترتب عليها ذلك .



10- الخلق من النار آية :



ومن هذه الحكم أن المادة
النارية فيها الإحراق والعلو والفساد ، وفيها الإشراق والإضاءَة والنور ،
فأخرج منها – سبحانه – هذا وهذا ، كما أنّ المادة الترابية الأرضية فيها
الطيب والخبيث ، والسهل والحزن ، والأحمر والأسود والأبيض ، فأخرج منها ذلك
كله حكمة باهرة وقدرة باهرة ، وآية دالة على أنه (
ليس كمثله شيء وهو السَّميع البصير
) [ الشورى : 11 ] .



11- ظهور متعلقات أسمائه :



ومن هذه الحكم أن من أسمائه
الخافض الرافع ، المعزِّ المذِّل ، الحكم العدل ، المنتقم ، وهذه الأسماء
تستدعي متعلقات يظهر فيها أحكامها ، كأسماء الإحسان والرزق والرحمة ونحوها
، ولا بدّ من ظهور متعلقات هذه وهذه .



12- ظهور آثار تمام ملكه وعموم تصرفه :



ومن هذه الحكم أنه سبحانه
الملك التام الملك ، ومن تمام ملكه عموم تصرفه وتنوعه بالثواب والعقاب ،
والإكرام والإهانة والعدل ، والفضل والإعزاز والإذلال ، فلا بدّ من وجود من
يتعلق به أحد النوعين ، كما أوجد من يتعلق به النوع الآخر .



13- وجود إبليس من تمام حكمته تعالى :



ومن هذه الحكم أن من أسمائه
الحكيم ، والحكمة من صفاته – سبحانه – وحكمته تستلزم وضع كل شيء في موضعه
الذي لا يليق به سواه ، فاقتضت خلق المتضادات ، وتخصيص كل واحد منها بما لا
يليق به غيره من الأحكام والصفات والخصائص ، وهل تتم الحكمة إلا بذلك ؟
فوجود هذا النوع من تمام الحكمة ، كما أنه من كمال القدرة .



14- حمده تعالى على منعه وخفضه :



ومنها أن حمده – سبحانه –
تام كامل من جميع الوجوه ، فهو محمود على عدله ومنعه ، وخفضه ورفعه ،
وانتقامه وإهانته ، كما هو محمود على فضله وعطائه ، ورفعه وإكرامه ، فله
الحمد التام الكامل على هذا وهذا ، وهو يحمد نفسه على ذلك كله ، ويحمده
عليه ملائكته ، ورسله وأولياؤه ، ويحمده عليه أهل الموقف جميعهم ، وما كان
من لوازم كمال حمده وتمامه ، فله في خلقه وإيجاده الحكمة التامة ، كما له
عليه الحمد التام ، فلا يجوز تعطيل حمده ، كما لا يجوز تعطيل حكمته .



15- وبخلقه يظهر الله لعباده حلمه وصبره :



ومنها أنه – سبحانه – يحب أن
يظهر لعباده حلمه وصبره ، وأناته ، وسعة رحمته ، وجوده ، فاقتضى ذلك خلق من
يشرك به ، ويضاده في حكمه ، ويجتهد في مخالفته ، ويسعى في مساخطه ، بل
يشبهه سبحانه وتعالى ، وهو مع ذلك يسوق إليه أنواع الطيبات ، ويرزقه ،
ويعافيه ، ويمكن له من أسباب ما يلتذ به من أصناف النعم ، ويجيب دعاءَه ،
ويكشف عنه السوء ، ويعامله من بره وإحسانه بضد ما يعامله هو به من كفره
وشركه وإساءَته ، فلله كم في ذلك من حكمة وحمد .


ويتحبب إلى أوليائه ويتعرف
بأنواع كمالاته ، كما في الصحيح عن أبي موسى الأشعري قال : قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : (ما أحد أصبر على أذى يسمعه من
الله ، يدعون له الولد ثم يعافيهم ويرزقهم
) . متفق عليه
(3)
.


وفي الصحيح عن أبي هريرة رضي
الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (
قال الله تعالى : كذبني ابن آدم ، ولم يكن له ذلك ،
وشتمني ولم يكن له ذلك ، فأما تكذيبه إياي فقوله : لن يعيدني كما بدأني ،
وليس أول الخلق بأهون عليّ من إعادته ، وأمّا شتمه إياي فقوله : اتخذ الله
ولداً ، وأنا الأحد الصمد الذي لم ألد ولم أولد ، ولم يكن لي كفواً أحد
) . رواه البخاري (4) .


وهو سبحانه مع هذا الشتم له
، والتكذيب له ، يرزق الشاتم المكذب ، ويعافيه ، ويدفع عنه ، ويدعوه إلى
جنته ، ويقبل توبته إذا تاب إليه ، ويبدله بسيئاته حسنات ، ويلطف به في
جميع أحواله ، ويؤهله لإرسال رسله ، ويأمرهم أن يلينوا له القول ، ويرفقوا
به .


قال الفضيل بن عياض : " ما
من ليلة يختلط ظلامها إلا نادى الجليل – جلّ جلاله – مَن أعظم مني جوداً ،
الخلائق لي عاصون ، وأنا أكلؤهم في مضاجعهم ، كأنهم لم يعصوني ، وأتولى
حفظهم ، كأنهم لم يذنبوا ، أجود بالفضل على العاصي ، وأتفضل على المسيء .


من ذا الذي دعاني فلم ألبه ؟
من ذا الذي سألني فلم أعطه ؟


أنا الجواد ومني الجود ، أنا
الكريم ومني الكرم ، ومن كرمي أني أعطي العبد ما سألني ، وأعطيه ما لم
يسألني ، ومن كرمي أني أعطي التائب كأنه لم يعصني ، فأين عني يهرب الخلق ،
وأين عن بابي ينتحي العاصون ؟ " .


وفي أثر إلهي : (
إني والإنس والجن في نبأ عظيم : أخلق ويعبد غيري ، وأرزق ويشكر سواي

) .


وفي أثر حسن : (
ابن آدم ما أنصفتني : خيري إليك نازل ، وشرّك إلي
صاعد ، كم أتحبب إليك بالنعم ، وأنا غني عنك ، وكم تتبغض إلي بالمعاصي ،
وأنت فقير إلي ، ولا يزال المَلَكُ الكريم يَعْرُج إلي منك بعمل قبيح
) .


وفي الحديث الصحيح : (
لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ، ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون ، فيغفر لهم

) .



16- خلق الله خلقه بحيث يظهر فيهم أحكام أسمائه وصفاته وآثارها :



فالله سبحانه لكمال محبته
لأسمائه وصفاته اقتضى حمده ، وحكمته أن يخلق خلقاً يظهر فيهم أحكامها
وآثارها ، فلمحبته للعفو خلق من يحسن العفو عنه ، ولمحبته للمغفرة خلق من
يغفر له ، ويحلم عنه ، ويصبر عليه ، ولا يعاجله ، بل يكون يحب أمانه
وإمهاله .


ولمحبته لعدله وحكمته خلق من
يظهر فيهم عدله وحكمته ، ولمحبته للجود والإحسان والبر خلق من يعامله
بالإساءَة والعصيان ، وهو سبحانه يعامله بالمغفرة والإحسان ، فلولا خلقه من
يجري على أيديهم أنواع المعاصي والمخالفات ، لفاتت هذه الحكم والمصالح
وأضعافها وأضعاف أضعافها ، فتبارك الله رب العالمين ، وأحكم الحاكمين ، ذو
الحكمة البالغة ، والنعم السابغة ، الذي وصلت حكمته إلى حيث وصلت قدرته ،
وله في كل شيء حكمة باهرة ، كما أن له فيه قدرة قاهرة وهدايات .



17- ما حصل بسبب وجود الشيطان من محبوبات للرحمن :



فكم حصل بسبب هذا المخلوق
البغيض للرب ، المسخوط له من محبوب له تبارك وتعالى ، يتصل في حبه ما حصل
به من مكروه ، والحكيم الباهر الحكمة هو الذي يحصل أحب الأمرين إليه
باحتمال المكروه الذي يبغضه ويسخطه ، إذا كان طريقاً إلى حصول ذلك المحبوب
. ووجود الملزوم بدون لازمه محال .


فإن يكن قد حصل بعدو الله
إبليس من الشرور والمعاصي ما حصل ، فكم حصل بسبب وجوده ، ووجود جنوده من
طاعة هي أحب إلى الله وأرضى له من جهاد في سبيله ، ومخالفة هوى النفس
وشهوتها له ، ويحتمل المشاق والمكاره في محبته ومرضاته ، وأحبّ شيء للحبيب
أن يرى محبّه يتحمل لأجله من الأذى والوصب ما يصدق محبته .


من
أجلك قد جعلت خدي أرضا ××× بغيتي للشامت والحسود حتى ترضى



ومن أثر إلهي : ( بغيتي ما
يتحمل المتحملون من أجلي ) ، فالله ما أحب إليه احتمال محبيه أذى أعدائه
لهم فيه ، وفي مرضاته ، وما أنفع ذلك الأذى لهم ، وما أحمدهم لعاقبته ،
وماذا ينالون به من كرامة حبيبهم وقربه قرة عيونهم به ، ولكن حرام على
منكري محبة الرب تعالى أن يشموا لذلك رائحة ، أو يدخلوا من هذا الباب ، أو
يذوقوا من هذا الشراب .


قل
للعيون العمي للشمس أعين ××× سواك يراها في مغيب ومطلع



وسامح
بؤساً لم يؤهل لحبهم ××× فما يحسن التخصيص في كل موضع



فإن أغضب هذا المخلوق ربه ،
فقد أرضاه فيه أنبياؤه ورسله وأولياؤه ، وذلك الرضا أعظم من ذلك الغضب ،
وإن أسخطه ما يجري على يديه من المعاصي والمخالفات ، فإنّه سبحانه أشدّ
فرحاً بتوبة عبده من الفاقد لراحلته ، التي عليها طعامه وشرابه ، إذا وجدها
في المفاوز المهلكات ، وإن أغضبه ما جرى على أنبيائه ورسله من هذا العدو
اللعين ، فقد سرّه وأرضاه ما جرى على أيديهم من حربه ومعصيته ومراغمته
وكبته وغيظه ، وهذا الرضا أعظم عنده وأبرّ لديه من فوات ذلك المكروه
المستلزم لفوات هذا المرضي المحبوب .


وإن أسخطه أكل آدم من الشجرة
، فقد أرضاه توبته وإنابته ، وخضوعه وتذلله بين يديه وانكساره له .


وإن أغضبه إخراج أعدائه
لرسوله صلى الله عليه وسلم من حرمه وبلدته ذلك الخروج ، فقد أرضاه أعظم
الرضا دخوله إليها ذلك الدخول .


وإن أسخطه قتلهم أولياءه
وأحبابه ، وتمزيق لحومهم ، وإراقة دمائهم ، فقد أرضاه نيلهم الحياة التي لا
أطيب منها ، ولا أنعم ، ولا ألذّ في قربه وجواره .


وإن أسخطه معاصي عباده ، فقد
أرضاه شهود ملائكته وأنبيائه ورسله وأوليائه سعة مغفرته وعفوه وبرّه وكرمه
وجوده والثناء عليه بذلك ، وحمده وتمجيده بهذه الأوصاف التي حمده بها
والثناء عليه بها ، أحب إليه ، وأرضى له من فوات تلك المعاصي ، وفوات هذه
المحبوبات .


واعلم أن الحمد هو الأصل
الجامع لذلك كله ، فهو عقد نظام الخلق والأمر ، والرب تعالى له الحمد كلّه
بجميع وجوهه واعتباراته وتصاريفه ، فما خلق شيئاً ، ولا حكم بشيء إلا وله
فيه الحمد ، فوصل حمده إلى حيث وصل خلقه وأمره ، حمداً حقيقياً يتضمن محبته
والرضا به وعنه ، والثناء عليه ، والإقرار بحكمته البالغة في كل ما خلقه
وأمر به ، فتعطيل حكمته غير تعطيل حمده ... فكما أنه لا يكون إلا حميداً
فلا يكون إلا حكيماً ، فحمده وحكمته كعلمه وقدرته ، وحياته من لوازم ذاته ،
ولا يجوز تعطيل شيء من صفاته وأسمائه ومقتضياتها وآثارها ، فإن ذلك يستلزم
النقص الذي يناقض كماله وكبرياءه وعظمته .



18- محبته سبحانه أن يكون ملاذاً ومعاذاً لأوليائه :



وفي هذا يقول ابن القيم : "
كما أن من صفات الكمال وأفعال الحمد والثناء أنه يجود ويعطي ويمنح ، فمنها
أنّه يعيذ وينصر ويغيث ، فكما يحب أن يلوذ به اللائذون يحب أن يعوذ به
العائذون ، وكمال الملوك أن يلوذ بهم أولياؤهم ، ويعوذوا بهم ، كما قال
أحمد بن حسين الكندي في ممدوحه :


يا من
ألوذ به فيما أؤمله ××× ومن أعوذ به مما أحاذره



لا
يجبر الناس عظماً أنت كاسره ××× ولا يهيضون عظماً أنت جابره



ولو قال ذلك في ربه وفاطره
لكان أسعد به من مخلوق مثله .


والمقصود أن ملك الملوك يحب
أن يلوذ به مماليكه ، وأن يعوذوا به ، كما أمر رسوله أن يستعيذ به من
الشيطان الرجيم في غير موضع من كتابه ، وبذلك يظهر تمام نعمته على عبده إذا
أعاذه وأجاره من عدوه ، فلم يكن إعاذته وإجارته منه بأدنى النعمتين ، والله
تعالى يحب أن يكمل نعمته على عباده المؤمنين ، ويريهم نصره لهم على عدوهم
، وحمايتهم منه ، وظفرهم به ، فيا لها من نعمة كمل بها سرورهم ونعيمهم ،
وعدل أظهره في أعدائه وخصمائه .


وما
منهما إلا له فيه حكمة ××× يقصر عن إدراكها كل باحث




الحكمة في بقاء إبليس إلى آخر الدهر :



تحدث ابن القيم ، رحمه الله
، عن ذلك في ( شفاء العليل ) (5) ووضحه ، فمن
ذلك :


1-
امتحان العباد :



فمما ذكره رحمه الله تعالى :
أنّ الله جعله محكّاً ومحنة يخرج به الطيب من الخبيث ، ووليّه من عدوه ،
ولذا اقتضت حكمته إبقاءَه ليحصل الغرض المطلوب بخلقه ، ولو أماته لفات ذلك
الغرض ، كما أن الحكمة اقتضت بقاء أعدائه الكفار في الأرض إلى آخر الدهر ،
ولو أهلكهم ألبتة لتعطلت الحكم الكثيرة في إبقائهم ، فكما اقتضت حكمته
امتحان أبي البشر ، اقتضت امتحان أولاده من بعده به ، فتحصل السعادة لمن
خالفه وعاداه ، وينحاز إليه من وافقه وولاه .


2-
وأبقاه مجازاة له على صالح عمله السابق :



ومنها أنه لما سبق حكمه
وحكمته أنه لا نصيب له في الآخرة ، وقد سبق له طاعة وعبادة ، جزاه بها في
الدنيا بأن أعطاه البقاء فيها إلى آخر الدهر ، فإنه سبحانه لا يظلم أحداً
حسنة عملها ، فأمّا المؤمن ، فيجزيه بحسناته في الدنيا والآخرة ، وأمّا
الكافر ، فيجزيه بحسناته ما عمل في الدنيا ، فإذا أفضى إلى الآخرة ، لم يكن
له شيء ، كما ثبت هذا المعنى في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم .


3-
أملى له ليزداد إثماً :



وبقاؤه إلى يوم القيامة لم
يكن كرامة في حقه ، فإنّه لو مات كان خيراً له ، وأخف لعذابه ، وأقل لشره ،
ولكن لما غلظ ذنبه بالإصرار على المعصية ومخاصمة من ينبغي التسليم لحكمه ،
والقدح في حكمته ، والحلف على اقتطاع عباده ، وصدهم عن عبوديته ، كانت
عقوبة الذنب أعظم عقوبة بحسب تغلظه ، فأبقي في الدنيا ، وأملى له ليزداد
إثماً ، على إثم ذلك الذنب ، فيستوجب العقوبة التي لا تصلح لغيره ، فيكون
رأس أهل الشرّ في العقوبة ، كما كان رأسهم في الشر والكفر . ولما كان مادة
كل شر فعنه تنشأ ، جوزي في النار مثل فعله ، فكل عذاب ينزل بأهل النار يبدأ
فيه ، ثم يسري منه إلى أتباعه عدلاً ظاهراً وحكمة بالغة .


4-
وأبقاه ليتولى المجرمين :



ومن حكم إبقائه إلى يوم
الدين أنّه قال في مخاصمته لربّه : ( أرأيتك هذا
الذَّي كرَّمت عَلَيَّ لئن أخَّرتن إلى يوم القيامة لأحتنكنَّ ذريَّته
إلاَّ قليلاً
) [ الإسراء : 62 ] . وعلم الله – سبحانه – أن في
الذرية من لا يصلح لمساكنته في داره ، ولا يصلح إلا لما يصلح له الشوك
والروث أبقاه له ، وقال له بلسان القدر : هؤلاء أصحابك وأولياؤك ، فاجلس في
انتظارهم ، وكلما مرّ بك واحد منهم فشأنك به ، فلو صلح لي ما ملكتك منه ،
فإني أتولى الصالحين ، وهم الذين يصلحون لي ، وأنت ولي المجرمين من الذين
غنوا عن موالاتي وابتغاء مرضاتي ، قال تعالى : (
إنَّه ليس له سلطان على الَّذين آمنوا وعلى ربهم يتوكَّلون – إنَّما سلطانه
على الَّذين يتولَّونه والَّذين هم مشركون
) [النحل: 99-100].


فأما إماتة الأنبياء
والمرسلين ، فلم يكن ذلك لهوانهم عليه ، ولكن ليصلوا إلى محل كرامته ،
ويستريحوا من نكد الدنيا وتعبها ومقاساة أعدائهم وأتباعهم ، وليحيا الرسل
بعدهم ، يري رسولاً بعد رسول ، فإماتتهم أصلح لهم وللأمة ، أما هم فلراحتهم
من الدنيا ، ولحوقهم بالرفيق الأعلى في أكمل لذة وسرور ، ولا سيما أنه قد
خيرهم ربهم بين البقاء في الدنيا واللحاق به .


وأمّا الأمم فيعلم أنهم لم
يطيعوهم في حياتهم خاصة ، بل أطاعوهم بعد مماتهم ، كما أطاعوهم في حياتهم ،
وأن أتباعهم لم يكونوا يعبدونهم ، بل يعبدون الله بأمرهم ونهيهم ، والله هو
الحي الذي لا يموت ، فكم في إماتتهم من حكمة ومصلحة لهم وللأمة . هذا وهم
بشر ، ولم يخلق الله البشر في الدنيا على خلقة قابلة للدوام ، بل جعلهم
خلائف في الأرض ، يخلف بعضهم بعضاً ، فلو أبقاهم لفاتت المصلحة والحكمة في
جعلهم خلائف ، ولضاقت بهم الأرض ، فالموت كمال لكل مؤمن ، ولولا الموت لما
طاب العيش في الدنيا ، ولا هناء لأهلها بها ، فالحكمة في الموت كالحكمة في
الحياة .



إلى أي مدى نجح الشيطان في إهلاك بني آدم ؟



عندما رفض الشيطان السجود
لآدم ، وطرده الله من رحمته وجنته ، وغضب عليه ولعنه ، أخذ على نفسه العهد
أمام ربّ العزة بأن يضلنا ويغوينا ، ويعبدنا لنفسه : (
لَّعنة الله وقال لأتَّخذنَّ من عبادك نصيباً مَّفروضاً – ولأضلَّنَّهم ...
) [النساء : 118-119] ، ( قال أرأيتك هذا
الَّذي كرَّمت عليَّ لئن أخَّرتن إلى يوم القيامة لأحتنكنَّ ذريَّته إلاَّ
قليلاً
) [الإسراء : 62] .



فإلى أي مدى حقق الشيطان مراده من بني الإنسان ؟



إن المسرّح نظره في تاريخ
البشرية يهوله ما يرى من ضلال الناس ، وكيف كذبوا الرسل والكتب ، وكفروا
بالله ربهم ، وأشركوا به مخلوقاته ، قال تعالى : (
وما أكثر النَّاس ولو حرصت بمؤمنين
) [ يوسف : 103 ] ، ولذا حق
عليهم غضب الله وانتقامه : ( ثمَّ أرسلنا رسلنا تترا
كلَّ ما جاء أمَّةً رَّسولها كذَّبوه فأتبعنا بعضهم بعضاً وجعلناهم أحاديث
فبعداً لقومٍ لا يؤمنون
) [ المؤمنون : 44 ] .


وفي الحاضر حيثما نظرنا
أبصرنا أولياء الشيطان تعج بهم الحياة يرفعون رايته ، وينادون بمبادئه ،
ويعذبون أولياء الله ، ويدلنا على مدى تحقيق الشيطان لمراده ، أن الله يأمر
آدم يوم القيامة أن يخرج من ذريته بعث النار ، فلما يستفسر عن مقدار هذا
البعث يقول له : تسعة وتسعون إلى النار وواحد إلى الجنة ، وفي رواية :
تسعمائة وتسعة وتسعون في النار ، وواحد في الجنة (6)
.


وبذلك يصدق ظنه في هذه
الذرية التي لم تعتبر بما جرى لأبيها ، ولا بما جرى لأسلافها ، ويبقى هذا
اللعين يقودها إلى هلاكها ، بل أحياناً تسابقه إلى الجحيم .


وما أقبح أن يصدق ظن العدو
في عدوه : ( ولقد صدَّق عليهم إبليس ظنَّه فاتَّبعوه
إلاَّ فريقاً من المؤمنين
) [ سبأ : 20 ] . قبيح الإنسان أن يتحقق
فيه ظن الشيطان ، فيطيع هذا العدو ، ويعصي ربّه . ولقد بلغ الأمر حدّاً لا
يوصف ولا يتصور ، فهذه طائفة في العراق وفي جهات أخرى تطلق على نفسها :
عباد الشيطان ، وبعض الكتاب نراهم يحلفون ( بحق الشيطان ) ، فما أعجب أمرهم
!


لا
تفكر بكثرة الهالكين :



حريّ بالعاقل اللبيب أن لا
يغتر بكثرة الهالكين ، فالكثرة ليس لها اعتبار في ميزان الله ، إنما
الاعتبار بالحقّ ولو قَلّ عدد متبعيه .


فكن من أتباع الحق الذين
رضوا بالله ربّاً ، وبالإسلام ديناً ، وبمحمد رسولاً ، الذين عرفوا الشيطان
وأتباع الشيطان ، فحاربوهم بالحجة والبرهان ، والسيف والسنان ، وقبل ذلك
بالالتجاء إلى الرحمن ، والتمسك بدينه .


( يا
أيَّها الَّذين آمنوا ادخلوا في السلم كافَّةً ولا تتَّبعوا خطوات
الشَّيطان إنَّه لكم عدوٌّ مبين – فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات
فاعلموا أنَّ الله عزيز حكيم
) [ البقرة : 208-209 ] .


نسأل الله أن يجعلنا بمنه
وكرمه من الذين دخلوا في السلم دخولاً كلياً ، وصلى الله وسلم على عبده
ورسوله محمد ، وعلى آله وصحبه وسلم .


--------------------------------


(1)

شفاء العليل : ص322 .



(2)


مشكاة
المصابيح : 1/36.ورقمه : 100 .



(3)

مشكاة المصابيح : 1/14 . ورقمه : 23 .



(4)


مشكاة
المصابيح : 1/14 . ورقمه : 20 .



(5)


شفاء العليل
: 327 .



(6)

الحديث رواهما البخاري وغيره . صحيح البخاري : 11/387 ، 388 وراجع مؤلف
أ.د. عمر الأشقر : الجنة والنار ، ص76 .



منقول من موقع العقيدة الاسلامية
mostax fodo
mostax fodo
أعضاء الإشراف

عدد المساهمات : 319
العمر : 26

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الحكمة من خلق الشيطان Empty رد: الحكمة من خلق الشيطان

مُساهمة من طرف lord of fire السبت أبريل 16, 2011 11:19 pm

جزاك الله خيرا وسلمت يداك علي الموضوع الرائع
lord of fire
lord of fire
عضو نشيط

عدد المساهمات : 117

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى